من أعوانٍ إلى وعّاظ

الوقت اللازم للقراءة:
2 minsفي لقاءٍ صحافي حديث، عبّر المخرج السوري سيف سبيعي عن استيائه من تكرار سلوك نظام الاسد رغم تغيّر الأشخاص، قائلا: «أنا قلتها سابقا وهلأ برجع بقولها: يمكن تغيّر الرئيس، بس النظام ما سقط. عم نشوف تكرار لنفس الآلية والطريقة».
واعتبر سبيعي أن هامش التعبير المتاح حالياً ليس أكثر من فرصة مؤقتة، محذّراً: «يمكن في حرية هلأ بالحكي، بس لازم نستغلها قبل ما تفتح فروع الأمن، وساعتها منخرس».
كما انتقد ما وصفه بعودة التفكير بعقلية اللون الواحد، قائلا: «حاليا عم يفكّروا باللون الواحد، متل قبل تماما. والوطن اللي ما فيه كل الألوان، هو وطن سهل كسره»،
في الظاهر، من يقرأ للمخرج –الذي جاهر بدعمه لنظام الأسد وسرديته بأعماله – وأمثاله قد يظنّهم ناشطين حقوقيين تحرّكهم انتهاكات لحقوق الإنسان هنا وهناك، وليسوا جزءً من البنية التي خدمت سردية نظام البراميل لسنوات طويلة. هذا الخطاب الذي يبدو مدافعاً عن الحريات ويطمح لدولة القانون، يتهرّب من الإجابة على الأسئلة الجوهرية: من الذي أغلق الأفواه؟ ومن ارتكب المجازر؟ ومن هجّر الملايين من أرضهم؟ وما هو دور المتحدّث نفسه في آلة الإبادة؟
هنا يكمن الانفصام الحقيقي: فسيف يمثّل حالة تعيش قطيعةً مع تاريخها، وتتغذّى على هوسٍ دائم بتدوير دعاية الخاسرين في أن «الثورة والنظام في السوء سواء»، وصيغٌ مُضلّلة تذيب الفارق بين الجلاد والضحية، وبين الأمس واليوم.
على سياق متصل، ما يسمّى ب«الوسط الفني» أيضاً – سبيعي جزءٌ منه- لم يكتفِ بتبرير الإبادة، بل مارس دوراً في شيطنة الضحايا، والسخرية من آلامهم، وتقديم آلة القتل كمنقذ وطني في المسلسلات التي كانت أدوات تحريضٍ سياسيٍّ ونفسيٍّ، تُصوّر الضحايا كعملاء، والجلادين كأبطال.
بعد كل ذلك، من ارتضى لنفسه أن يكون أداة في يد النظام الساقط، لا يملك اليوم شرعيّة الحديث عن التعددية والحقوق بلا شكّ، لكن هل يملك من انحاز للبراميل، أن يغيّب وجهه عنا… لو كان في وجهه بقيّة من حياء؟
