سوريا التي نريد: بين مفهومي الدولة والسلطة

آخر تحديث: 17 نوفمبر، 2025

الوقت اللازم للقراءة:

11 mins

وطن بلا خدمات، أحجار بيوت مهدّمة تملأ الطرقات، وبقايا الصواريخ والشظايا ما زال أثرها حاضرًا في الذاكرة، أكثر من مليون شهيد، ونحو عشرة ملايين مشرّد، بينهم سبعة ملايين مازالوا خارج البلاد، وبنية تحتية متهالكة تذكرنا يوميًا بالمقتلة. تلك هي الصورة التي ترتسم في ذهن السوريين حين يسمعون اصطلاح “الدولة” حيث فقدت معناها، وتشوّهت صورتها في الوعي الجمعي، حتى صار الخلط بين الدولة والنظام أمرًا طبيعيًا، كنتاج لاستبداد طويل.

والواقع، بعد زوال الاستبداد، ما زال يخبرنا أن الاستبداد لا يزول بزوال المستبد فحسب، بل بزوال منظومته المفاهيمية التي شكّلت تصوراتنا عن الدولة، والسلطة، والمواطنة، والشرعية، والسيادة. فالسؤال الأهم اليوم بعد سقوط النظام، هو كيف نعيد بناء الدولة كما جاء به “علم السياسة” أي كيف ننظر إليها بوصفها كيانًا جامعًا، كما تصفها الأكاديميا ونماذج الدول الناجحة، لا كما أرادها النظام: أداةً للهيمنة والسيطرة واحتكار الثروة والقرار، ونموذج للعائلة وليس الناس.

لم يعرف السوريون الدولة كإطار سيادي جامعٍ يخدم مواطنيه عبر مؤسساته، ويعبّر عن الإرادة العامة، بل عرفوها كغنيمة تُدار من قِبل عائلةٍ حاكمة، تحيط بها شبكات من المنتفعين والمحسوبين، وتقوم على الولاء لا الكفاءة، وعلى الخضوع لا المشاركة. تحوّلت مؤسساتها إلى أدوات للضبط والتحكم والسيطرة، ومؤسساتها إلى منظومةٍ أمنية، مما أدى إلى انعدام الثقة والتواصل العملي السليم بين المواطن والسلطة الذين يشكلان معاً “الدولة”، وغابت الفكرة الوطنية واختزل الوطن بالعائلة الحاكمة والفرد الحاكم.

اليوم، بعد سقوط الأسد، وبداية المرحلة الانتقالية، يصبح من الضرورة، تحرير مفهوم الدولة من إرث الاستبداد، وفصله عن رموزه وأجهزته، من أجل أن يعاد بناؤه على أسس جديدة، حيث يصبح المواطن هو قلب الدولة، بالتالي يعود الاعتبار للمواطنة والمساءلة والعدالة والسيادة والشرعية. فبغير ذلك، ستبقى سورية تدور في حلقة الفوضى والعنف، بدلاً من الدخول في التعافي والتنمية والبناء.

تفكيك مفهوم الدولة: ملامح سورية الجديدة

منذ سقوط نظام الأسد، أقبل السوريون على واقع سياسي جديد في البلاد، غاب عن سورية لعقود طويلة، ولطالما كانت مفاهيم التنظيم وتشكيل المؤسسات أكبر هواجس وتحديات السوريين على ضفة الثورة السورية. حيث أدرك السوريون، الذين ثاروا على الاستبداد، بضرورة بدء بناء المؤسسات الجديدة، وفق العقلية الجديدة، لا سيما بعد العام 2019 وهذا ما أدى لولادة الكثير من المبادرات والمؤسسات المجتمعية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في شمال سورية ودول اللجوء في تركيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت هذه المؤسسات ملامح شكل الدولة التي يطمح السوريون لها.

وفي سجالات السوريين خلال هذه الفترة لطالما حضرت مفاهيم المؤسسات والتنظيم والانضباط، لإدراكهم أن إسقاط نظام الأسد يبدأ من بناء مجتمعات سورية ثائرة منظمة، ولا سيما أن الحالة الفصائلية عسكريًا ومدنيًا جعلت قوى الثورة في موضع استنزاف كبير. ومن هنا لاحت أولى مبادرات التنظيم المؤسساتي، كمدخل لبناء دولة السوريين الجديدة، ففكرة الدولة السورية الجديدة لازمت ثوار سورية، في الربع الأخير من الثورة بجانب استمرار التمرد على الأسد ونظامه، فكان هذا سابقة في الثورات، أن قوى الثورة كانت واعية لضرورة بناء دولة جديدة.

عقب سقوط الأسد، بدأت أولى خطوات بناء الدولة السورية الجديدة، لكن هذه الخطوات اصطدمت بواقع صعب، في ظل تهالك مؤسسات الدولة السورية، وضعف الموارد والإمكانيات، وقلة الكوادر البشرية والقدرات المادية، كما أن الثقافة الحيّة عن الدولة داخل السياق السوري جعل المهمة أكثر صعوبة، لكن هذا لم يمنع ببدء مرحلة بناء “الدولة”، حيث أصبح مفهوم الدولة من أكثر المفاهيم المتداولة في سورية عقب سقوط الأسد وقد وضع الرئيس “أحمد الشرع” فلسفة الدولة في السياق السوري بقوله “الانتقال من حالة الثورة إلى الدولة” وهي جملة مشابهة لحد بعيد “الانتقال من حالة الثورة إلى المؤسسة” التي استخدمتها قوى مدنية في الربع الأخير من الثورة السورية.

وهنا، يتطلب الانتقال من الثورة للدولة، ليس القفز على الثورة، وإنما استيعاب مبادئ وقيم الثورة السورية داخل الدولة، ولا سيما العدالة والحرية والكرامة عبر مؤسسات الدولة، بحيث تكون المؤسسات هي المسؤولية الأول على تحويل حكايات وروايات الثورة إلى سردية استراتيجية، تتناسب مع روح الدولة السورية الجديدة، لأن النسيان سيعيد الدولة كمفهوم لحالة السلطة.

تتجسد الدولة الحديثة في صورة المؤسسات، وقد أعلت الثورة السورية من قيمة بناء مثل هذه الدولة عبر المؤسسات، والتي تُطبق لوائحها على الحاكم والمحكوم على حد سواء. فالسيادة في إطارها الفلسفي تتصل بأنّ “الحق الذي لا يتجزأ”، ولا دولة بلا مواطنين وكلما أمعنت سلطات الدولة في معاملة المحكومين بوصفهم رعايا اقتربت أكثر من مفهوم “السلطة” وابتعدت عن مفهوم الدولة، وكلما بنيت على أساس المؤسسات اقتربت من مفهوم “الدولة”.

فالدولة بوصفها تجمع كياناً يجمع فئة الحكام وفئة المحكومين وتنتمي كلتا الفئتين إليه، هي كيان الدولة الحديثة، لذلك طرأت في سورية خلال العملية الجديدة لبناء الدولة تحديات مفاهيمية في توظيف المصطلح نفسه، فنحن عبر اللغة لا نحلل مصطلحات فحسب، إنما نفهم “معنى”. 

ثمّة فهم خاطئ مازال مستمراً بخصوص الدولة، فرغم دخول سورية في فترة المرحلة الانتقالية، وزوال الاستبداد، إلا أنّه مازال الفهم القديم لمفهوم الدولة قائمًا، حتى أن بعض من المسؤولين، بما فيهم الوزراء يتحدثون عنها وكأنها هي الحكومة أو النظام السياسي القائم فقط، فعندما يقول بعضهم “الدولة تعمل، أو الدولة تبذل قصارى جهدها” كما جاء في عدة تصريحات، وليس تصريحًا واحدًا فقط، وعلى لسان عدة مسؤولين لا مسؤول واحد فقط، فهذا يدل على حجم الخلط.

فالدولة لا “تبذل”، لأن الدولة هي كيانٌ أشمل من الحكومة أو النظام، ومن المقترض من يبذل هي “الحكومة أو النظام”. بالتالي، الدولة ليست الحكومة وحدها، وليست الشعب وحده أيضًا، بل هي العلاقة المشتركة بينهما، بين المواطن والسلطة. ولا يجب التعامل مع الدولة بوصفها هي طرف، والشعب طرف آخر خارجها.

عندما تُختزل الدولة في الحكومة وحدها، كما يحدث في الخطاب، فإننا نُقصي المجتمع من المعادلة، ونحوّل الدولة إلى سلطة منفصلة عن الناس، بدل أن تكون مؤسساتهم الجامعة. ولهذا يصبح من الضروري اليوم إعادة تصحيح المفهوم، ليُفهم أن الدولة هي كيان جامع للمجتمع والسلطة معًا، وأن الحكومة ليست سوى أداة تنفيذية تعمل على بناء جانب من هذا الكيان لا الكيان كله، تدير الكيان ولا تمتلكه.

المفهوم الغائب والدولة المؤجلة

حرص نظام الأسد الأب والابن تحويل الدولة إلى “أنا” عندما ربطا الدولة بشخصهما، وهو تعبير مشابه للويس الرابع عشر في فرنسا حين لخص فهمه للدولة بقوله “أنا الدولة والدولة أنا”. قد يكون الوضع في سورية الحالية مختلف ولا يوجد نيّة لربط الدولة بشخوص أو عوائل، والأرجح أن هناك تأثيرات ماضية في طبيعة النظام السياسي الجديد، ومن هنا لا بدّ إعادة النظر في مفهوم الدولة من جديد داخل سورية.

إنّ تأسيس القدرة على التمييز بين الدولة والحكام ونظام الحكم، مسألة بالغة الأهمية متعلقة بالحفاظ على استقرار الدولة، وهي أهم شروط نجاح الانتقال السياسي والمراحل الانتقالية،  فإمّا ينبثق عقب المراحل الانتقالية دول حرّة، أو يعود الاستبداد، أو ندخل في سيناريو غياب الدولة، وهو بذات خطورة اختزال الدولة بالنظام السياسي.

وفي إطار آخر، يأتي كذلك اعتقاد آخر، متعلق  “أن غياب الدولة بشكل كامل، هو أفضل من وجودها” بكون الدولة، تحاول تضييق مساحات الحرية، وأن الثورة خرجت من أجل الحرية.

هنا، ما أود أن أقوله في معرض الحديث عن ضرورات الدولة من عدمه، إنّ غياب الدولة لا يعني اتساع أطر الحرية، بل قد ينطوي على ذلك بلاء أدهى من الطغيان وهو الفوضى وعدم الموازنة بين الحرية والقانون والقيم، وفي الغالب تستخدم السلطات التي تطمح للاستبداد ثنائيات إمّا أنا كسلطة سياسية أو الفوضى لأجل تبرير وجود الدولة بمعناه السلطوي الفردي.

وضمن الحديث عن الفوضى، يأتي مثال ما يسمّى “الفواعل ما دون الدولة” أي الفصائل العسكرية التي نشطت أو تشكلت خلال مراحل الثورات أو الصراعات، التي غالبًا ما تستثمر غياب شروط الدولة لصالح تبرير وجودها لاحقاً، كون أن تلك المجموعات تشكلت بفترة غير طبيعية، فعندما تبدأ عملية بناء الدولة نعود للحالة الطبيعية، وتصبح تلك المجموعات تسمى “مجموعات خارجة عن القانون”.

ويُعدّ هذا جزءاً أساسياً في عملية بناء الدولة، والانتقال من حالة الثورة إلى الدولة، حيث لا ترغب تلك المجموعات في الاندماج في المؤسسة العسكرية ولا الجيش، بكون وجودها متعلق بضرورة استمرار “الفوضى”. مما يدفعها من أجل زيادة الفوضى على حساب بناء الدولة.

ويبرز ذلك بوضوح في الحالة السورية؛ إذ تتبنى بعض القوى العسكرية المعارضة للحكومة السورية الحالية، تصوراً يعتبر الدولة الحالية هي نفسها النظام السياسي، من أجل نزع الشرعية عن الدولة ككيان جامع، وتبرير عملياتها العسكرية خارج إطار القانون.

فعلى سبيل المثال، تنظر بعض المجموعات في السويداء إلى معارضة النظام السياسي الجديد بوصفها معارضة للدولة ذاتها، دون القدرة أو الرغبة في التفريق بين الدولة وبين السلطة الحاكمة. ومن هنا، تُبرر خيارات الانفصال أو الانكفاء عن الدولة، على الرغم من أنّ إمكانية معارضة النظام السياسي كخيار سياسي مشروع تبقى قائمة.

إلا أنّ تجنّب الدخول في هذا التفريق المفاهيمي بين الدولة والنظام غالباً ما يهدف إلى تعطيل النقاش وإضفاء طابع الحتمية على المواقف السياسية، الأمر الذي يُسهم عملياً في إعادة إنتاج الخلط المقصود بين السلطة والدولة، ويحول دون تصور مشروع وطني مشترك يتجاوز السلطة القائمة.

وبحسب الإطار النظري في دراسات بناء الدولة (State-Building Theory) فإن نجاح المرحلة الانتقالية يرتبط بالقدرة على ترتيب أولويات ومتطلبات البناء، فالدولة يجب أن تُبنى أولًا كإطار سيادي جامع للمواطنين، ثم يُشكّل النظام السياسي والمؤسسات، مع فصل السلطة عن بعضها، لضمان استمرار المؤسسات في العمل، وضمان معايير الحكم الرشيد بناءً على الكفاءات وليس الولاء، مهما تغيّرت الحكومات أو النخب السياسية.

وعندما يُعكس هذا الترتيب، قد يتحوّل الانتقال السياسي إلى دولة فاشلة أو غياب الدولة تمامًا، حيث تفقد الحكومة القدرة على تنظيم القانون والحريات، ويزيد العنف الطائفي والميليشيات، وتضعف الكفاءة في إدارة المؤسسات، وتغيب الشرعية الاجتماعية والسياسية عن السلطة القائمة، ما يفتح المجال للتوترات والفوضى.

وهنا في ظل الحديث عن الدولة في سورية، ليس المقصود “الدولة المستوردة” لأن الدولة ليست واحدة بالمعنى الثقافي في كل دول العالم، قد تكون ذلك في كنف العلاقات الدولية، لكن الدولة كعلم سياسية، تختلف من مكان للآخر لأنها تتأثر بالظواهر الاجتماعية أي: بالتركيبة التاريخية والثقافية والحضارية والمجتمعية، وحتى عملية نشوء الدولة الحديثة هي عملية تدريجية فلم تحصل قطيعة مع التاريخ، ومن أهم النماذج في سياق سورية، محاولة تشكيل المملكة السورية العام 1920 رغم أنها دولة قومية بالمعنى العروبي المستمد من البسماركية الألمانية، لكن العناصر الإسلامية الثقافية كانت حاضرة بوضوح في داخل المؤتمر السوري “البرلمان” وكذلك يمكن لحظ ذلك خلال مرحلة تأسيس الجمهورية تباعًا في سورية.

وعلى أهمية مفهوم الدولة، لا يعني ذلك تحويلها لأيديولوجيا بديلة، فالدولة لا يجب أن تكون كذلك، فلم يخلُ مفهوم الدولة الحديثة من الانتقادات في ظل وجود تيارات سياسية، باتت ترى مفهوم الدولة الحديثة، ليس مؤسسات، بل أصبحت تراها وثنًا وصنمًا، أو أداةً كما حال الماركسيون، وأحيانًا دينًا بديلًا عن دين المجموعات والأفراد، ولا سيما هؤلاء الذي يبالغون في فهم الدولة الحديثة، مع أن فكرة الدولة نفسها هي فكرة “متخيلة” ولذلك التعبير الوجودي عنها “المؤسسات” مما يثير حالة من الاستغراب أثناء جعله حدثاً مقدساً.

كما لا تغيب حالة “التعالي” في تقسيم الدولة لحديثة، وما بعد حديثة، عند بعض المفكرين الغربيين خلال محاولة تقسيم المجتمعات للتميز بين الغرب والشرق، حيث اعتبار أن الغرب انتقل لمرحلة الدولة ما بعد حداثية، أي بات الناس هناك، لا يحتاجون للمصلحة في فهم حدود العلاقة بين دولهم، بين الشرق ما زال في طور تشكيل الدولة.  

بالعموم، إن دور الدولة الأولى هو تنظيم الإطارات العامة والخاصة للناس دون التدخل في حياتهم، وفي الغالب تعبّر الدولة عبر سلوكها عن ضمير الناس وثقافتهم “الأخلاق العمومية” لتعكس تمثيل الناس لهم، مما يجعل الدولة كيانًا “أخلاقيًا” وليس “خياليًا” وهذا التعبير عن الدولة كان متجليًا في وثيقة المدينة المنورة خلال الحقبة الإسلامية، والتي جعلت “الأخلاق” التعبير الأمثل عن الدولة آنذاك، وبهذا الفهم لا يمكن نزع التراكم التاريخي عن فهم الدولة الحديثة في سورية.

سورية اليوم ما تزال دولة في طور التشكل الأولي، وليست بعد دولة مؤجلة بالمعنى الكلاسيكي للدولة الفاشلة، إذ أن مؤسساتها لا تزال في مرحلة البناء والتأسيس، والجهاز البيروقراطي يحاول ترسيخ نفسه رغم التحديات الكبيرة. إلا أنّ هذا الوضع لا يعني الاسترخاء أو الاكتفاء بالواقع، فغياب العمل الجاد على ترسيخ الدولة الحديثة قد يعيدها إلى حالة الدولة المؤجلة، حيث تظل السلطة متماهية مع النظام السياسي، والمؤسسات ضعيفة، والمجتمع المدني غير قادر على المشاركة الفاعلة.

خاتمة

لا يكفي سقوط النظام لبناء دولة سورية حديثة، ولا يعد ذلك معياراً للنجاح، لكنه المفتاح والخطوة الأولى، والتي يجب استغلالها، وذلك عبر إعادة بناء الدولة على أسس عملية وعلمية صحيحة، وذلك يبدأ بشكل أساسي في تحرير المعنى، وتحريرها من إرث النظام السابق، أو الاستبداد بالمجمل، بحيث لا تختزل الدولة في الحكومة أو السلطة السياسية وحدها، بل من الضرورة أن تصبح إطارًا يشمل المواطنين والمؤسسات معًا، وتحفظ الدولة كرامة وحرية الناس،  فالدولة الحقيقية تقوم على الكفاءة والعدالة، لا على الولاءات الشخصية أو الفئوية، بعيدًا عن المحسوبية وشبكات الفساد.

ويشمل ذلك بناء المؤسسات الجديدة، بغض النظر عن النظام السياسي أو الحكومة وإنما تبنى بشكل مستدام، على أساس معايير عالية من الجودة، بحيث تستمر مهما تغيرت الحكومات، فالأشخاص يتغيرون لكن الدولة عبر مؤسساتها تبقى.

وتصبح هذه المؤسسات، هي الضمانة لبقاء سورية قوية وموحدة ويعود لها الناس عند اختلافهم. ولأجل ذلك، يأتي أهمية، بناء جهاز القضاء والمؤسسات الرقابية المستقلة وذات الشفافية العالية. ولكي يشعر الناس قولًا وفعلًا بأهميتهم ودورهم داخل حدود دولتهم التي تشبههم وتعكس إرداتهم الحرّة. فمن المفترض أن تكون هذه المؤسسات هي سبيلهم الذي ينظم لهم عبر القانون، المشاركة السياسية والمدنية، عبر الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بشكل مستقل عن السلطة السياسية، لتصبح إرادة المواطن جزءًا فعليًا من صنع القرار، لا مجرد شعارات على الورق، مما يساعد على ضمان حقوقهم.

إن ترسيخ المواطنة العادلة بين الناس، بدل المحاصصة هو المفتاح لجعل الدولة قوية وفعّالة، لأن الدولة ومؤسساتها تقوى بالمواطن الحر والعادل والمثقف، وتستمر بعملها بالمؤسسات التي تعمل لصالح الجميع. حينها، تصبح الدولة السورية الجديدة إطارًا جامعًا، يستند إلى العدالة والمواطنة، ويبعد التجربة الجديدة عن إرث الانقسام والاستبداد، وتحقيق هذا يعني تحويل مبادئ الثورة السورية من مطالب ورغبات وتضحيات إلى مبادئ داخل مؤسسات الدولة، يشعر بها المواطن وينتمي لها.