عزفٌ على وتر الهوامش

آخر تحديث: 2 نوفمبر، 2025

الوقت اللازم للقراءة:

2 mins

في تل أبيب – محراب الوهم ومقام الطامحين إلى ظلّ العدو – انعقد في 27 تشرين الأول 2025 لقاء بعنوان «مؤتمر الأقليات» بدعوة من الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، بحضور نحو 30 مشاركاً من سوريين وعرب وإسرائيليين. شنّ الحضور هجماتٍ لفظية على الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته، وجهروا بالدعوة إلى إنشاء دويلات منفصلة للأقليات داخل سوريا. 

لم يكتفِ المؤتمر بالخطابة؛ بل خرج بتوصيات عملية: إنشاء مكتب ارتباط إقليمي مموّل ذاتياً، والتعاقد مع شركة قانونية إسرائيلية لرفع تقارير شهرية إلى رئاسة الوزراء والكنيست والخارجية، وإطلاق منصة إعلامية بنشرة نصف شهرية، وتأسيس صندوق شكاوى «سرّي»، وإسناد حق «تقرير المصير» بصيغٍ محليّة.

«حلف الأقليات» في الرؤية الإسرائيلية

تَصوغ الكتابات الإسرائيلية المبكّرة الفكرة على أنّ عليها البحث عن «حلفاء طبيعيين» خارج الكتلة العربية المركزية: دول غير عربية (تركيا، إيران الشاه) وأقليات غير عربية/غير سنّية داخل العالم العربي (الأكراد، الموارنة، الدروز…). 

هذا هو لبّ «عقيدة الأطراف» التي نُسبت إلى دافيد بن غوريون في الخمسينيات: الالتفاف على الطوق العربي عبر شبكة علاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع قوى «الهامش» الإقليمي والسكاني، لا لمجاراة العرب بل لتعديل ميزان القوى ضدهم. يصفها رئيس الموساد الأسبق مئير عميت بأنها «تحالف مع كل الفاعلين في الشرق الأوسط ممن ليسوا عرباً مسلمين»، وهي صياغة تُبرز المنطق الهوياتي للأمن القومي الإسرائيلي كما طُرح في تلك المرحلة.

على مستوى التنظير الاستراتيجي، برز لاحقاً الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية والكاتب في الشؤون الاستراتيجية أوديـد ينون (1982) الذي اشتهر عربياً بصفته منظّر «خطة التفكيك» لدول المشرق إلى كيانات طائفية/قومية أصغر عبر كتابه المسمى «The Zionist Plan for the Middle East» كوثيقة تعبّر عن تيارٍ في التفكير الأمني الإسرائيلي يرى في «تفكيك» الدول العربية فرصة بنيوية لتكريس التفوّق الإسرائيلي.

الحدث ذو صلة بسياق مستمر أثبت أن الإحتلال الإسرائيلي ما زال على الخط الذي أرادت لسوريا والمنطقة من تفتيتٍ تدريجيٍّ بغطاء حماية الأقليات، وتدويلٍ للملف عبر قنوات قانونية وإعلامية تمسك بها مؤسساته. الجديد يتجاوز الهدف فهذا معلوم وواضح، إلى «المأسسة»: مكتب، شركة قانونية، منصة، صندوق شكاوى؛ شبكة أدوات تبني سردية دائمة وتحوّلها إلى فعل سياسي متراكم.

أمام هذا الواقع، تصبح الاستجابة الرشيدة ضرورة في رفع وعي الداخل وترسيخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي بوصفه صراعاً وجوديّاً مع عدوٍّ يتربّص بنا الدوائر ويحرّك الأدوات ليبلغ مراده في استعباد المنطقة وشعوبها، حتى ولو أحسنَ اللعبَ على وتر الهوامش، يبقى واجبنا أن نحسِنَ تحصين المتن.