تصعيد في «60 دقيقة»

الوقت اللازم للقراءة:
3 minsبعد أشهرٍ من رسائل تطمينٍ مُبالَغٍ بها، يُلاحظ وجود تغيّر في خطاب الحكومة السورية والرئيس أحمد الشرع بنبرةٍ أعلى وصياغةٍ مباشرةٍ تُعيد توصيف الاعتداءات الإسرائيلية.
تتبدّى ملامح هذا التحوّل في مقابلة تلفزيونيّة بُثَّت مساء الأحد 12 تشرين الأوّل 2025، عبر برنامج «60 دقيقة» على شبكة CBS الأميركية، حيث أشار الرئيس الشرع إلى رد الفعل الإسرائيلي بعد سقوط النظام قائلاً: «إسرائيل قامت باعتداءات كثيرة على سوريا منذ سقوط النظام».
وقدّم حصيلة الاعتداء الإسرائيلي: «تعرضنا إلى أكثر من 1000 غارة إسرائيلية… وقامت [قوات الاحتلال الإسرائيلي] بأكثر من 400 توغل داخل سوريا». انتقل الرئيس الشرع إلى توصيفٍ أشد لنهج الاحتلال الإسرائيلي معتبراً ضربة محيط القصر التي وقعت في أيّار 2025 «إعلان حرب على سوريا»، واتّهم “إسرائيل” بالابتعاد عن الدبلوماسية وأنها «تستخدم العضلات والقوة».
تحاشي احتمال الحرب لا إعدامه
في سياقٍ موازٍ شرح منطق تجنّب التصعيد قائلاً «ماذا لو أننا قمنا بأي ردة فعل على هذا الاستهداف… ما الذي سيكون شكل العالم في ذاك الوقت. نحن أيضاً واجهنا قوى كبرى أكبر من إسرائيل بعشرات المرات ووصلنا إلى ما نحن فيه الآن لكن سوريا لا تريد أن تدخل في مثل هذه المناوشات وتدخل في هذه الحروب».
وفي نقده لتقدير الموقف لدى الاحتلال الإسرائيلي بعد فشله في تنبؤّه بحدوث «طوفان الأقصى» وما تلاه، قال: «هذا فشل استخباراتي داخل الأجهزة الأمنية في إسرائيل، فلا ينبغي أن تُعالَجها من خلال التقدم على أراضي الغير».
مخاوف أمنية أم مطامع توسّعية؟
وسّع الرئيس الشرع أيضاً زاوية النقاش إلى سؤالٍ موجّه للسياسات الإسرائيلية «هل فعلًا إسرائيل لديها مخاوف أمنية أم لديها أطماع توسعية؟ فالجواب على هذا السؤال ينبغي أن يحدّد السياسة التي ينبغي أن يتعامل بها العالم مع إسرائيل». وفي قراءةٍ للمشهد الداخلي الإسرائيلي وصف الحكومة بـ«المتطرفة» وبأنها تؤمن بـ«إسرائيل الكبرى».
حاول الرئيس الشرع أيضاً إبراز الانفصام بين أهداف سياسة إسرائيل ومحيطها، وبين أهداف إسرائيل والولايات المتحدة حتى، محذّراً من انعكاسات أي تمدد جنوباً وشمالاً على الأردن والعراق وتركيا، وساخراً في الوقت ذاته من ذريعة الأمن الوقائي التي يعلنها الاحتلال الإسرائيلي: «الآن تريد أن تأخذ مناطق في جنوب سوريا لحماية الجولان… إذا استمر الأمر هكذا تصل إلى إسبانيا حتى تحمي نفسها».
في الملف الداخلي، شدّد على حصر قضية السويداء ضمن السيادة السورية: «المشكلة التي حصلت في السويدا هي حصلت ما بين الدروز والبدو وهي مشكلة قديمة… » فهو إذاً «شأن داخلي سوري يعالج بطرق قانونية»، كما قال الرئيس الشرع. وشدّد أيضاً أن دروز سوريا، كغيرهم من مكوّنات سوريا يخضعون لحكم سوريا، لا لحكم الاحتلال الإسرائيلي، أو منطق الطائفة أو حماية الأقليات: «الدروز موجودون في سوريا منذ آلاف السنين… إن كان هناك يوجد دروز في إسرائيل فيشملهم القانون الإسرائيلي».
المفاوضات اختبارٌ لا خيارٌ ثابت
أمّا في الجولان والترتيبات الأمنية، فحدّد معيار التهدئة بوضوح: «يجب أن تعود إسرائيل أي نقطة تقدمت عليها بعد الثامن من ديسمبر»، مشيراً إلى أن المسار التفاوضي تعرقل بالقصف: «كنا على وشك الوصول إلى اتفاق أمني… ثم حصل هذا القصف فتأجّل»، قبل أن يختصر الموقف: «نحن الآن لدينا تحدٍّ نختبر فيه مصداقية إسرائيل في الاتفاق الأمني».
خطابٌ جديد
هذا الإطار اللغوي والسياسي يوثّق انتقالاً واضحاً في ترتيب الرسائل: تتقدّم عبارة «إعلان حرب» على جُمل التهدئة المعتادة، ما يرفع عتبة الخطاب -«واجهنا قوى كبرى أكبر من إسرائيل»- ويقلّص هامش التأويل ويقلّل إشارات الضعف التي لازمت رسائل الطمأنة في الأشهر التالية لسقوط نظام الأسد. وتتماسك الصورة عبر ربط الهدوء بشرط «العودة إلى ما قبل 8 ديسمبر» مع توسيع أثر السلوك الإسرائيلي إلى محيطٍ إقليمي تتأثر خرائطه مباشرة بأي تغيير جنوباً أو شمالاً.
وتكمن أهمية ذلك في التذكير بأنّ الخوف من الحرب أمام عدوك هو تسريع حتميتها، وأن التلويح بالقوة وبالاستعداد للحرب قد يكون هو تأخيرها.
في المقابل، يبقى الداخل – السويداء- تحت سقف السيادة السوريّة، بما ينزع الغطاء عن تدخلاتٍ تُسوَّق بوصفها «حماية للأقليات».
وفي الخلاصة؛ لا جديد فيما قيل، لكن ما تبدّل أخيراً هو النبرة؛ أقلّ تطميناً، أكثر صدقاً مع الوقائع، وهنا بيت القصيد: أمام كيانٍ لا يفهم التطمين إلا رسالةَ ضعف وإذناً بالتمادي، يقول المنطق -حتى لو كنتَ ضعيفاً – لا تُبلِّغ عدوّك ضعفك، إذ تكفي حصيلةُ الشهور الماضية لتُغني عن الشرح: ألفُ غارةٍ و400 توغُّل.
