لهيب على خط ديورند

آخر تحديث: 15 أكتوبر، 2025

الوقت اللازم للقراءة:

3 mins

في صباح 11 تشرين الأول 2025، هزّت أصوات الانفجارات الجبال التي تفصل أفغانستان عن باكستان.

عبرت طائرات باكستانية الحدود لتقصف أهدافاً قالت إنها “ملاذات لحركة طالبان باكستان“، ردّت عليها كابول بقصف مضاد استهدف مواقع حدودية. المعابر أُغلقت، القتلى بالعشرات، والتصريحات متناقضة.

يتقدّم المشهد كحلقة جديدة في صراعٍ ممتد منذ أكثر من قرن؛ حدودٌ صاغها الحبر البريطاني، وتعيدها المدافع إلى الواجهة كلما ارتفعت حرارة الجغرافيا والسياسة.

ما هو خط ديورند؟ 

في عام 1893، جلس السير البريطاني مورتيمر ديورند (Mortimer Durand) مع أمير أفغانستان عبد الرحمن خان، ورسم خطّاً على الخريطة يفصل بين أفغانستان والهند البريطانية.
كان البريطانيون يريدون منطقة عازلة تحمي الهند من النفوذ الروسي، لكن الخط شطر قلب شعب واحد: البشتون.

مورتيمر ديورند (Mortimer Durand)
مورتيمر ديورند (Mortimer Durand)

منذ ذلك اليوم، صار نصف القبائل البشتونية داخل أفغانستان، ونصفها الآخر داخل باكستان (التي لم تكن قد وُلدت بعد). وحين استقلّت باكستان عام 1947، رفضت كابول الاعتراف بالخط كحدود رسمية، معتبرةً الاتفاق باطلاً لأنه فُرض زمن الاحتلال. هكذا تحوّل الخط من ترسيمٍ جغرافي إلى رمزٍ للظلم التاريخي في الذاكرة الأفغانية.

من حبرٍ إلى نار

خلال الحرب الباردة، استُخدم العمقُ الباكستاني قاعدةً لتموين فصائل أفغانية تقاتل السوفييت، عبر شبكاتٍ معقّدةٍ قادتها أجهزةٌ إقليمية ودولية؛ ومع نهاية التسعينيات، كانت حركة طالبان قد صعدت من تربةٍ سَقَتها تلك الشبكات لوجستياً وسياسياً. 

لكن “طالبان” اسمٌ واحدٌ لمشروعين متقابلين: طالبان أفغانستان مشروعُ سلطةٍ داخليةٍ يبحث عن تثبيت الحكم، فيما طالبان باكستان (TTP) مشروعُ داخليّ يوجّه السلاحَ إلى الدولة الباكستانية نفسها؛ تشابهٌ في اللغة والزيّ، وتناقضٌ في الهدف وخريطة القتال.

من هنا، كلُّ انفجارٍ على الخطّ يُقرأ عند إسلام آباد أمنا قوميّا أولا: اتهاماتٌ متكرّرةٌ لكابول بإيواء مقاتلي TTP وتركهم يعبرون الحُدود، يقابلها نفيٌ أفغاني واعتبارُ أيّ ضرباتٍ جويةٍ عبر الحدود انتهاكاً مباشراً للسيادة. هذه الثنائية – سيادةٌ مقابل أمن – هي محرك الاشتباك الراهن، كما تكشفه بيانات وتصريحات متعاقبة وتقارير ميدانية حديثة.

اللاعبون في الظل

وراء هذا الصراع، لا تقف كابول وإسلام آباد وحدهما.

الهند تراقب المشهد باعتباره فرصة لإضعاف خصمها التاريخي باكستان، فيما تسعى الصين إلى حماية مصالحها وممرها الاقتصادي العابر عبر باكستان إلى بحر العرب.

أما واشنطن، فتنظر من بعيد، تراقب انهيار التوازن الذي حاولت فرضه طوال عقدين من وجودها العسكري في أفغانستان.

فيما تتورّع إيران عن دخول المشهد لانكفائها علىٰ ذاتها، أما تركيا والسعودية فقد اكتفتا بدور الوسطاء محاولين إخماد النار التي يشتعل لهيبها كل فترة.

ثمن التوتر

الإغلاق الكامل للمعابر مثل تورخم وتشامان شلّ الحركة التجارية والإنسانية بين البلدين، لاسيّما أفغانستان التي ليس لها منفذ بحري، فتجارتها مرهونةٌ بباكستان وإيران، والأخيرة بينها وبين كابول من المعضلات كما مع إسلام أباد.

وأما الاقتصاد الحدودي فيعاني، والأسواق في المدن القريبة من الخط باتت شبه مشلولة.

وكلُّ طرف يعلن أرقاماً مختلفة عن الخسائر؛ أفغانستان قالت مثلاً بتاريخ 12 تشرين الأول إنها قتلت 58 جندياً باكستانياً، وباكستان تقول إنها قتلت 200 جنديٍ في اليوم نفسه.

إلى أين تتجه الأمور؟

تميل التطورات إلى نمط سخونة مستدامة: هدَنٌ بوساطات سريعة  ثم انتكاسات كلما تصادمت معادلة السيادة الافغانية والأمن الباكستاني.

القدرة اللوجستية والاقتصادية للطرفين، وغياب مظلة دولية لحرب مفتوحة، يجعل الاحتمال الأرجح هو تصعيد قصير تليها تهدئة، لا حرباً شاملة.